روي أن حاجاً سأله آخر متى انطلقت من بلدك إلى الحج؟
قال: هل ترى الآن في شعر رأسي هذا سواداً أم كله أبيض ؟
قال: بل كله أبيض.
قال: لقد خرجت من بلدي وما في رأسي شعرة بيضاء، وكنت أنزل في بلد على الطريق ثم أبحث عن عمل وأستمر فيه سنوات حتى أدخر مؤنة للحج ثم أرحل وأنزل في البلد الآخر وهكذا حتى وصلت مكة لأداء فريضة الحج كما ترى.
حج1953م
ولو رجعنا إلى التاريخ وتحديدا منذ نهاية القرن الثاني الهجري والثالث حيث بدأت القلاقل والمشكلات والاضطرابات الأمنية في كل البلدان المحيطة بالجزيرة العربية وكذلك الجزيرة، بل وما أن تهدأ الأمور وتستقر وتؤمن السبل إلا وتعود المشكلات وتظهر النزاعات ويكثر قاطع الطريق وتتعدى القبائل على بعضها ويتعرض الحجاج إلى متاعب كثيرة من جراء ذلك، وهذا يزيد من معاناتهم فالطريق في حد ذاته يعتبر مشقة وبعد المكان وقفر الأرض وتباعد القرى كلها أعباء لا تحتمل، سواء على الراكب أو الماشي، وسواء من قدم عن طريق البر أو البحر، ومع كل هذا يتوافد الحجاج على كل ضامر يأتين من كل فج عميق.
إنها رحلة العمر التي يشتاق لها كل مسلم، ويتشوق لاستقبال الحجاج كل أهل هذه البلاد حبا في تقديم الخير لهؤلاء الضيوف وما أكرمهم من ضيوف وأعزهم من وفد.
والقصص القديمة والأخبار والمعلومات عن الحجاج تذكر الكثير من المآسي التي حصلت للحجاج في طريقهم إلى مكة، وهذا أمر وارد ما دمنا نعرف وعورة الطرق والمسالك واندثارها وعزلة بعضها وخطورته وتعرضهم للسيل الشديد في بعض الأودية أو الرياح والعواصف في بعض الخلوات والصحاري مع الشمس المحرقة أو البرد الشديد والجفاف وانعدام الماء، يضاف إلى ذلك موت بعض الإبل وهي الوسيلة الأكثر استخداماً مع الحمير أو البغال وإلا فالمشي على الأقدام وكثيرا ما يحصل.
قيل في الأمثال الشعبية (يا ما غدى على الحاج من جمل) كناية عن كثرة ما يفقده الحجاج من أبلهم، إما سرقة أو هلاكا وموتاً أو ضياعاً وسط زحمة الحجيج واختلاطهم وقلة معرفة الناس بالدروب،
ونقف عند غصة الفراق ولحظة الوداع، وقت السفر وما يصاحبها من قلق وشعور صادق بالتعلق.
لحظات يصعب وصفها أو تحملها لأنها تكون بين مواليف، أزواج أو أفراد عائلة أو أبوين أو أبناء أو قرابات أو أصدقاء، فتكون دموع الوداع حاضرة والقلوب تعتصرها مثل هذه اللحظة وتوجعها ألماً، وهي في الماضي أشد وأقسى لأن الأخبار تنقطع ولا سبيل إلى التواصل.
يقول الشاعر عبدالمجيد العنزي في الوداع:
وصف الوداع اصعب من احساس الانسان
موقف ولكن مايمر بسهوله
فيه الحنايا تشتكي ثقل الاحزان
والخافي اعظم من كلام نقوله
كني غريب وعبرتي فوق الاوجان
وقلبي يتيمٍ مالقى من يعوله
المسألة ماهي سواليف شجعان
ذاب الصمود وضاع درع البطولة
هي معركة لاكنها دون ميدان
وكل المعارك بالعناد محلولة
الا الوداع أصعب من احساس الانسان
موقف ولكن مايمر بسهولة
م.ق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق